دخل زيد إلى مكتبي ووجهه مكفهر،
السلام عليكم،
وعليكم السلام ورحمة الله، تفضل لم نرك منذ مدة خيراً إن شاء الله ؟
أستاذ رياض، عندي محكمة مقررة ليوم غد، ولأني لم أحضر الجلسة الأولى فقد صدر ضدي أمر لإحضاري
إلى جلسة الغد من قبل الشرطة، والشرطة تطاردني ولم انم الليلة في بيتي.
وما القصة ؟
قبل سنتين كانت سيارتي الفورد ترانزيت مليئة بعمال من الضفة الغربية لا يملكون تصاريح للعمل داخل إسرائيل وأمسكت بي شرطة حرس الحدود في باقة الغربية وكما تعرف لي سوابق في هذا المجال والمحاكم اليوم تعاقب مرتكبي هذا العمل بقسوة وغالبا بالسجن الفعلي.
حسنا.. لكن أنت تعرف صعوبة تمثيلك في المحكمة في الجلسة المقررة غدا دون أن اطلع على ملف التحقيق.
كل ما أطلبه هو أن تحضر معي الجلسة وتحاول التوصل إلى اتفاق مع جهة الادعاء على العقاب وأن يكون الحبس لفترة قصيرة نظرا لسوابقي.
زيد، أنا مستعد أن احضر معك الجلسة بشرط أن أحاول تأجيلها لكي نصور مواد التحقيق ثم أرى اذا كان بإمكاني مساعدتك بطريقة أخرى، الأمر سيكون مكلفا لك لان المحكمة لن تنتهي بجلسة واحدة، أما إذا أصررت على إنهائها غدا فاني اعتذر منك وسأحيلك لمحام زميل يساعدك في ذلك.
ووافق زيد على اقتراحي، وحضرت معه الجلسة دون أن تعتقله الشرطة، ووافق القاضي عميرام شارون على تأجيلها إلى موعد لاحق لغرض دراسة ملف التحقيق.
تصوير ملف التحقيق: واتصلت بإيلي دوناطي لكي يصور لي ملف التحقيق، وإيلي كان شابا ورث عمله هذا من أبيه يسرائيل كما كان يدعوه، والذي كان في الحقيقة زوج أمه، ويسرائيل كان قبل خروجه للتقاعد أحد أفراد سلك الادعاء في شرطة الخضيرة، وكان إيلي يصور ملفات التحقيق للمحامين مقابل أجر معلوم، وله ماكنة تصوير موجودة بشكل ثابت في شرطة الخضيرة في قسم الادعاء، وكانوا لعملهم الدائم معه ومع “أبيه” قبله الذي كان في حياته واحدا منهم يعطونه الملفات ليصورها بنفسه، وبذلك يوفر على المحامي تعيين موعد لنسخ الملف والوقوف في الطابور وإضاعة يوم أو نصف يوم في هذه المسألة.
مجمل الإفادات: واتضح أن قسما من العمال الذين كانوا في السيارة استجوبوا من قبل شرطة عارة واقروا بعدم حيازتهم على تصاريح للدخول والعمل في إسرائيل، وزيد نفسه أقرفي التحقيق بأنه كان سيأخذ العمال إلى منطقة تل أبيب للعمل في مجال البناء وأنه كان يعرف انه غير مصرح لهم بدخول إسرائيل، ولكن ما جذب انتباهي هو أن حرس الحدود كتبوا في تقريرهم أن مكان الحدث كان “نزلة عيسى” وليس باقة الغربية.
ونزلة عيسى هي قرية في الضفة الغربية ملاصقة لباقة الغربية لدرجة أن الحد الفاصل بينهما قد يخفى على غالبية السكان إلا أهل البيوت المتلاصقة من البلدين الذين يعرفون أين تنتهي حدود كل بلد وتبدأ حدود البلد الآخر، والخط الأخضر الذي يفصل بين الضفة الغربية وبين إسرائيل يمر متعرجا بين البلدين.
والتقيت بزيد
ما قولك يا زيد، هل أمسكت بك الشرطة في باقة الغربية أم في نزلة عيسى ؟
حسبما أعرف في باقة الغربية.
هل أنت مهندس مساحة ؟
لا.
هل أنت متأكد أن المكان الذي أوقفتك الشرطة فيه ليس في نهاية نزلة عيسى ؟
عندما أفكر في الأمر أنا لست متأكدا !
والتهمة الموجهة إليك هي انك أدخلت العمال داخل حدود إسرائيل، تنفيذ وليس تخطيط ؟
نعم.
اذا ستكون لك مفاجأة في جلسة المحاكمة القادمة …..
وجاء اليوم الموعود، وسأل القاضي ما ردكم أستاذ أبو فول على لائحة الاتهام ؟
سعادة القاضي، لا يرغب المتهم في الطعن بالإقرار المنسوب إليه في التحقيق معه من قبل الشرطة، يقر المتهم بوجود العمال في سيارته وبأنه لم تكن بحوزتهم تصاريح عمل تمكنهم من دخول إسرائيل وينكر أن يكون بما سلف مخالفة للمواد القانونية المذكورة في لائحة الاتهام.
وكيف يكون ذلك؟
لأن المتهم لم يدخل بالعمال داخل حدود إسرائيل، وطالما هو في الضفة الغربية فلم تكتمل أركان “الجريمة” الموجهة اليه في لائحة الاتهام.
وكنت قد أعددت مسبقا نسخة مكبرة من خارطة المنطقة عرضتها على القاضي وأشرت إلى مكان البلدين ومكان الخط الأخضر الفاصل بينهما.
وأشرت إلى أن شرطة حرس الحدود، “ذات الخبرة” والتي يفترض فيها أنها تعرف كل حجر في المنطقة كتبت في تقريرها أن مكان الحادث هو خارج حدود إسرائيل “ومن نحن” لنشكك اليوم بما كتب في يوم الحادث من قبل رجال الشرطة الأشاوس ؟
ووجه القاضي السؤال لممثل الادعاء، وطلب الأخير تأجيل الجلسة لفحص الموضوع وإبلاغ المحكمة هل يطلبون الاستمرار في القضية من عدمه !
وأجل القاضي شارون الجلسة ومرت سنة ونصف دون أن يقدم الادعاء رده للمحكمة، وخرج القاضي شارون للتقاعد ونقل الملف للقاضي صبري محسن، ودعينا لجلسة في هذا الملف، وقبل الجلسة توصلنا لاتفاق ألغيت بموجبه لائحة الاتهام وأغلق الملف.
ويبقى أن نفكر ماذا كان سيجري لو وافقت المتهم على طلبه الأولي بان نتفق مع النيابة على عقاب، نظرا لسوابقه، وأي فترة سجن كان سيحكم بها ؟. لا شك أن سعادته من النتيجة كانت كبيرة !
القصة حقيقية، بتصرف، كل الأسماء حقيقية ما عدا اسم زيد.
انطر أيضا صفحتنا على الفيس بوك: www.facebook.com/riadlaw
جميع الحقوق محفوظة
حقيقة أستاذ رياض دائما المتهم يهمه شيء واحد أن لا يدخل القفص وان كان لا بد فلأمد قصير قدر المستطاع ولكن يا ترى لو لم يكن هناك من ينقذ المستضعف من الظلم ماذا سيكون نتيجة ذلك!!!!!!!!!!!! قصة رائعة